يتحدث الباحث في كتابه هذا عن دور التربية في تشكيل السلوك الإنساني منتهجاً مبدأ الإتباع هو مبدأ التلقي عن الأصول الثابتة والإيمان المطلق بشمولية الإسلام وصلاحيته لسعادة الإنسان بعيداً عن التعقيد والتأويل والابتداع. والمؤلف بذلك يبسط التربية ويجعلها أمثلة منظورة وينأى بها عن النظريات المعقدة المجافية للفطرة السليمة، وهو مما حفلت به معظم المحاضن التربوية في العالم حتى اليوم.
يرى المؤلف أن العقيدة السليمة هي أساس التربية السليمة وأن التربية السليمة هي أساس النهضة وهو يربط تاريخياً -للتمثيل- بين التأسيس التربوي للمجتمع الإسلامي الذي قام به العالمان الجليلان أبو حامد الغزالي وعبد القادر الجيلاني وبين النصر المؤزر الذي حققه صلاح الدين الأيوبي على القوى الصليبية الغازية لبلاد المسلمين، كما يربط بين الانهيار التربوي والخلقي وبين الانهيار العسكري للجيوش الإسلامية على مدى القرون اللاحقة حتى سقوط الخلافة الإسلامية من تركيا عام 1924.
هذا ويتميز أسلوب المؤلف بالموسوعية، فهو يعود لتأكيد أفكاره وتوليد المزيد من فروعها إلى كم هائل من المصادر والمراجع وهو ما سيكتشفه القارئ ويحس معه بالأمن والاطمئنان. كما يتميز أسلوب المؤلف بالحدة في البلاغة وبالأمانة العلمية حيث يرجع الفضل لأهله رغم محبته للاقتباس والتصرف.
وبشكل عام قسم المؤلف كتابه إلى خمسة عشر فصلاً، ابتدأت بأثر التربية في بناء الشخصية الإنسانية، وانتهت بتربية المرأة. يرى المؤلف في الفصل الأول أن التربية هي حاجة اجتماعية ماسة للأفراد والأمم على حد سواء، فكما أن التربية هي أساس سعادة الأفراد فهي كذلك سبيل الأمة للقوة والنهضة والازدهار. ويؤكد على أن مصدر التربية لا بد وأن يكون من القرآن والسنة النبوية، ولذلك نجد أن الكاتب قد التزم بتهذيب المصدرين وبآراء من التزم بهما من الكتاب والمصلحين.
في الفصل الثاني يرى المؤلف أن أهداف التربية الإسلامية تتعدى بناء الفرد والأسرة إلى صبغ المجتمع بالإسلام ومن ذلك إصلاح الحكومات وتحرير الأوطان والأخذ بأسباب التقدم المادي ومواجهة التحديات.
حدد المؤلف في الفصل الثالث المنهاج التربوي الأفضل الذي يحبذه لبناء الأفراد والمجتمعات ويراه كامناً في المنهج الإسلامي الشامل لحاجات الإنسان المادية والروحية، والذي تخلف الغرب عن إدراكه عندما اعتنى بالجوانب المادية للإنسان مهملاً، عن قصد أو جهل، حاجات روحه، فنشأت أجياله خاوية من الأشواق، بعيدة عن الالتزام قريبة من الانفصام والنكد الأسود.
شملت ميادين التربية في الفصل الرابع تربية الجسد والروح إضافة إلى التربية العقلية. وقد ركز الفصل الخامس على بناء النفس وفق نظرية الخطوط المتقابلة في النفس البشرية، كما شمل الفصل السادس على خصائص التربية العقائدية، الواقعية، الشاملة والمتوازنة. تناول الفصل السابع أهم العوامل المؤثرة في بناء الشخصية، ورأى المؤلف أنها وراثية ومكتسبة معاً، وأن انتساب الإنسان إلى بيئته يضاهي انتمائه إلى آبائه.
ركز المؤلف في الفصل الثامن على خصائص شخصية المربي الأول والقائد الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجعله القدوة والمثال الأعلى للمربين والساعين إلى السعادة في الدارين. في الفصل التاسع أبدع المؤلف في وصف أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية بواسطة القدوة وعبر الموعظة الحسنة البعيدة عن الإملال، وعبر المرحلية والتدرج، ثم عبر الأمثال. وقد أفرد المؤلف استكمالاً لأساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية، كتاباً خاصاً للتربية بالقصة.
يتضمن هذا الفصل أيضاً معالم تربوية في غاية الأهمية والأصالة وهي تمثل المحور الأساسي للتربية في الإسلام. خصص المؤلف الفصول 10-14 لقضايا تربية الأطفال والمراهقين والشباب ثم الناضجين والشيوخ وفق المفهوم الإسلامي وأحداث النظريات الحديثة في التربية، وختم كتابه بلمحة مختصرة حول المرأة في مناهج التربية الإسلامية.