لقد بدأ المؤلف يطرح أفكاره ضمن سلسلة اختار لها عنوان "سنن تغيير النفس والمجتمع" منذ حوالي ثلث قرن، في محاولة منه للإسهام في معالجة مشكلة تخلف المسلمين، وانعدام فعاليتهم، وغيابهم عن التأثير من أحداث العالم، وعجزهم عن مواجهة الغزو الاستعماري الذي نجح في استضعافهم واستذلالهم، ونهب خيراتهم، واستغلال مواردهم. وعلى الرغم من البطء في انتشار هذه الأفكار، ودخولها في وعي المثقفين، بسبب الحجب الكثيفة المسدلة على العقول، وسيطرة الفكر التقليدي على الأذهان، والخوف من التغيير الذي جعله الله تعالى الطريق الوحيد للنهوض من العثار.
وعلى الرغم من سقوط العمل الإسلامي خلال هذه الحقبة في المحاذير التي نبه إليها المؤلف، وغرق العديد من بلدان العالم الإسلامي في دوامة العنف التي حذر منها، واعتبرها أم المشكلات، ورأس العنف. وبعد ثلث قرن من التجارب والمعاناة لهموم المسلمين، فإن المؤلف يبدو أكثر اقتناعاً بأفكاره التي سبق أن طرحها، وأكثر إصراراً على نشرها وترسيخها في ذاكرة الأجيال، عسى أن يخرج منهم شباب أكثر وعياً، وأعمق فهماً، وأرحب صدراً، وأوسع انفتاحاً، وأقدر على توجيه مجتمعاتهم المتخلقة نحو الرقي والحضور على مسرح الأحداث العالمية والإسهام الإيجابي في صنعها.
في كتابه هذا يبرز المؤلف الأسلوب الذي زكّاه الله في موقف ابن آدم الأول من أول نزاع حدث في مطلع البشرية. ليكون هذا الأسلوب المزكّى من قبل الله نبراساً للبشرية في خط سيرها الطويل، ويهدف إلى إيجاد أسلوب آخر لحل مشكلات البناء. يوجه هذا الكتاب الكلام إلى الإسلاميين ليدلهم على الطريق، إلا أنه لم يقصد الاقتصار عليهم، بل يريد أن يضع أمام ضمير الآخرين هذا الأسلوب في العمل ليكون موضع تأملهم كما يبين هذا الكتاب أن على المسلمين من أجل استئناف الحياة الإسلامية أن يقدموا بعملية البلاغ المبين، وأن يؤدوا واجباتهم بصرف النظر عن الحق الذي لهم.